‫الرئيسية‬ Uncategorized ونسة.. ميرغني أبشر: مُقارَبةٌ قُرْآنيّةٌ – أَثَرِيّةٌ: مملكةُ سُلَيْمان، أين كانت؟
Uncategorized - يونيو 27, 2025

ونسة.. ميرغني أبشر: مُقارَبةٌ قُرْآنيّةٌ – أَثَرِيّةٌ: مملكةُ سُلَيْمان، أين كانت؟

إنخطر في واعيتي، وأنا أتمعن في سورة سبأ من خلفية أثرية، موضوعة “صنعة الحديد” وتوقيت سطوة ظهوره في التاريخ، كمدخلٍ لتتبّع الإمكان الأثري لمملكة سليمان وداوود، تلك المملكة التي لم يُعثر لها على أثرٍ ماديٍّ أو تاريخيٍّ، بعيداً عن سرديات التوراة والقرآن. وانطلاقاً من هذا المنظور الذي يمتلك قدراً من المقبولية الموضوعية لدى العقل العلمي المعاصر، رحتُ أبحث عن جغرافيا أثرية محتملة للمملكة، مستنداً هذه المرّة إلى منحى مادي، يشير إليه الشاهد القرآني حين يقول عن داوود: “وألَنَّا له الحديد” (سبأ: 10)، في دلالة على قدرته وتفوّقه في تطويع هذا المعدن.
يرتكز هذا التنقيب على نتائج الحفريات الحديثة في جنوب الأردن وشمال غرب الجزيرة العربية، متتبعًا مواقع صناعة الحديد النشطة في القرن العاشر قبل الميلاد، ومستبعدًا جغرافياتٍ بديلة مثل كوش، ومصر القديمة، والجزيرة العربية، لغياب أي معطى معدني ذي دلالة في تلك الحقبة.
وأقول لك، وقولي هنا يقينٌ يُجهد أن يكون علمياً قابلاً للدحض: إنّ القرآن يُقدّم داوود بوصفه فاعلاً صناعياً: “أن اعمل سابغاتٍ وقدّر في السّرد” (سبأ: 11). فـ”السابغات” تدل على الدروع، و”السرد” هو دقّ الحلقات المعدنية بإحكام، وهما إشارتان إلى حرفة متقدمة في صناعة الحديد، ما يحيل إلى وجود نظام إنتاجي صناعي منظم. وتؤكد الحفريات في وادي فينان (جنوب الأردن) وتِمنة (وادي عربة – جنوب النقب) وجود نشاطٍ تعديني كثيف بين عامَي 1000 و900 ق.م (وهي الفترة المفترض فيها وجود مملكة داوود وسليمان). وقد أظهرت تلك المواقع أفران صهر، وأنظمة توزيع وتنظيم غذائي، ومقابرَ متقنة، ما يدلّ على سلطةٍ مركزية أو زعامة إنتاجية منتظمة، كما أشرنا.
في المقابل، تفتقر القدس – الموقع التقليدي المنسوب لمملكة داوود وسليمان – إلى أي دليل أثريّ يعود للقرن العاشر قبل الميلاد، فلا قصور، ولا منشآت دفاعية، ولا ورش صناعية. ومصر الفرعونية، رغم عظمتها، لم تكن قد دخلت عصر الحديد آنذاك، بل بقي اعتمادها على النحاس والبرونز. أما كوش ومروي، فقد شهدتا انطلاقة صناعة الحديد بعد القرن الثامن ق.م. وتبقى الجزيرة العربية خارج الاحتمال، إذ لم يُعثر فيها حتى الآن على مراكز لصهر الحديد تعود لفترة أسبق من القرن السادس ق.م، ما يجعلها بيئة غير معدنية في ذلك الزمن.
وفق هذا التتبّع، تفشل الجغرافيات الرمزية – القدس التوراتية، مصر الحضارية، كوش العظيمة، الحجاز الإلهامي – في إثبات أي أثر معدني يوازي وصف داوود وسليمان قرآنياً. وحده الجنوب الأردني – النبطي، الأدومي، الكنعاني – يقدّم أرضاً حقيقية لصعود كيان سياسي صناعي في مرحلة مبكرة من العصر الحديدي.
وعليه، فإن “صنعة الحديد”، بوصفها أثراً ماديّاً لا يُزيّف، ترشدنا إلى أن الجغرافيا الحقيقية للتوراة لا تقع في أورشليم، ولا في وادي النيل، ولا في الجزيرة العربية، بل في مناجم الجنوب العربي–الشامي، موضع صنعة الحديد المتقدمة. وهذا يضعنا على النقيض تماماً من جغرافيات الكتابات الحالمة، المتأخرة زمنًا وعِلماً.
وأخيراً، أشير تأكيداً: لماذا كان اختياري لصنعة الحديد هذه المرة؟
لأن اللغة وأسماء الأمكنة خيطٌ معرفيٌّ تتبّعي، غير أن الإشكال فيها أنها تُنبت جغرافياتٍ شبيهة، وأمكنةً محتملةً متعددة، بفعل يسر الانتقالات البشرية، وطريقة التفكير الإنساني في إنتاج المسميات المتشابهة، حتى من غير علاقة بالهجرات. ولهذا، آثرتُ أن أتتبع رواسخ الأشياء، ومؤكداتها ، وأولها الحديد ذو الباس الشديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

فيديو” صادم أثار سخط السودانيين :المليشيا وتعذيب النساء.. وصمة عار ..!!

“ بورتسودان : طل نيوز مقطع فيديو مؤلم لسيدة معلقة على شجرة تتوسل لمليشي فيزيدها تعذي…