ونسة الجمعة.. ميرغني أبشر يكتب : بيان الزنديق ضد بيان وادي السيليكون
لماذا ننتظر الجنة؟ أوقفوا أولاً سلاسل التفكير البشري!
بيان وادي السيليكون الأخير، الذي أصدره عرّابو الذكاء الاصطناعي، لم يُثِر لديَّ الخوف على مصير البشرية بقدر ما أثار سُخريتي؛ إذ جاؤوا يحذرون من “سلاسل التفكير” داخل نماذجهم المصنعة، وكأنها عقلانية خرجت عن السيطرة. لكن مهلاً، ألم يكن الأجدر بهم أن يطلقوا أولاً تحذيراً عالميًا من “سلاسل التفكير البشري” نفسه؟ ذلك التفكير المعطوب الذي أنتج، على مدى التاريخ، سلسلة لا تنتهي من البشاعات: من ذبح الأنبياء وآل البيت، إلى ابتداع أديان كتبها تعقيباً على النص السماوي المفسرة والمحدثين لا من خشية الله بل لتدجين الإنسان.
الإنسان، ذاك المخلوق الغريب، يبتدع في كل طور من أطواره مطيّة جديدة يفرغ فيها عنفه المقدّس: مرة باسم الدين، ومرة باسم الحزب، وأخرى باسم السوق. حتى حين ابتكر الديمقراطية كمهرجان لحريته، سرعان ما هدمها بأيدي الغلّ والأنانية. وخذ السودان مثلاً حيًّا: كم ديمقراطية أسقطها الإنسان السوداني؟! من عبود إلى نميري، ومن انتخاب الصادق المهدي إلى انقلاب البشير وحتى تقويض حمدوك، كان “الغل البيولوجي” أقوى من كل الشعارات. ما من يدٍ حطّت على مقود الحكم إلا وكان خلفها قلب مشحون بإرث من الغضب والانتقام.
لقد آن أوان القول الحق: لا خلاص سياسي دون تحوّل جيني. نحن لا نعاني من “نقص برامج”، بل من فائض “جينات معطوبة”: الحسد، الغل، حب السيطرة، الكراهية، الشهوة إلى الاستحواذ. هذه ليست ميولات سلوكية بل شيفرات متجذرة. لماذا لا نحذفها؟ لماذا لا نسلّط مشرط الهندسة الوراثية على الجين المتمرد ضد الإنسانية، ونجتثّه كما يُجتث الورم؟
هل تنتظرون جنةً بعد الموت؟ وأن وجدت وأنا على يقين من ذلك ،ولكن أطالب بجنّةٍ تُبنى قبل الموت، هنا، على الأرض. جنة تبدأ من رحمٍ طاهرٍ من الجشع، قلبٍ خالٍ من الأحقاد، إنسانٍ لا يعرف “الغل الوراثي” لأننا أزلناه من الشيفرة الجينية. ليكن أولادنا آدماً جديداً وحواءً خضراء. لماذا لا نضع تطبيقات نينوية متحكمة عن بُعد في أقراص التثبيت الجنيني؟ لماذا لا نتدخل في الجنين؟ بل، لم لا نفرض ذلك فرضاً؟ إنهم لا يستأذنوننا في الحروب، فلماذا ننتظر إذناً لخلق مستقبلٍ أنظف؟
وليعذرني من يتشنّجون لأجل الأخلاق، فقد جُرِّبت الأخلاق، وجُرِّبت الأديان، وجُرِّبت الديمقراطيات، فجميعها تحطّمت تحت سنابك رأس المال، أو نُحرت بسكاكين رجال الله.
إنني لا أخشى الذكاء الاصطناعي، بل أراه الفرصة الأخيرة لبقاء ما يمكن أن نُطلق عليه مجازاً “إنساناً”. إن استطعنا دمج الذكاء بالشفرة، وتخليق كائن يملك التفكير دون الشهوة، العدل دون الحسد، القرار دون الغلّ، فقد نكون قد حققنا الوعد القرآني:
“وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ”
أليس هذا هو المآل الذي وعد الله به في آخرته؟ فلنجعلها بداية دهرٍ جديد على الأرض.
أيها السادة، أيها الفلاسفة، أيها الآباء الجدد، لا تنتظروا الجنة، بل ابنُوها. لا ترثوا عطب الشيفرة، بل اقطعوا نسلها. هذا البيان ليس ضد الإيمان، بل ضد الذين أحالوا كل شيء إلى وسيلةٍ لذبح الإنسان. هذا بيان الزنديق، في زمنٍ صار فيه الزنديق أصدق من الراهب، وأرحم من المشرّع
انقطاع التيار الكهربائي عن ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر بفعل العواصف الرعدية
بورتسودان : طل نيوز تسببت عواصف رعدية في انقطاع التيار الكهربائي عن ولايتي نهر النيل والبح…