‫الرئيسية‬ مقالات ميرغني أبشر يكتب : حقيقة أُغنية “سامع لك نضم” وظلي الجمالي الحسير!!
مقالات - ‫‫‫‏‫3 أسابيع مضت‬

ميرغني أبشر يكتب : حقيقة أُغنية “سامع لك نضم” وظلي الجمالي الحسير!!

ونسة

يقال في عامية أهل السودان (الزييط من رب العالمين )،ويعني أن يسير بإسمك و عملك الذي صنعت الركبان، لهو فضل من الله تعالى ،لايد لك في ذلك ولا مهارة. وهذا ما حدث مع أغنية شعبية حديثة على مسامع الناس ،تغنى بها المطرب الشاب “حسين الصادق” في أمسية رمضانية ، من اماسي (أغاني اغاني ) البرنامج جهيرة السيرة على فضائية النيل الأزرق ،والذي يقدمه المتمكن “السر قدور” . وقد نسب فيه “حسين الصادق”الأغنية لغير كاتبها ولا مغنيها ، ولكنه عاد لاحقاً بعد ترتيب ليصحح الأمر على فضائية قناة الهلال هذه المرة. وهكذا كانت منصة البرنامج(أغاني أغاني) هي القاعدة التي انطلقت منها أغنية “سامع لك نضم” لبراحات جوارنا القطري والإقليمي ،ليتغنى بها مطربين من خارج الحدود منهم النوبي المصري، والموريتاني الصحراوي ،بعد أن رددها أكثر من مطرب سوداني على رأسهم المبدع “جعفر السقيد”. وكلمات الأغنية البسيطة من نظم سعيد الحظ الشاب “عبد الله المرضي” مواطن من قرية السليمانية ناحية بربر شمال الباوقة ، وفنانها بالأصالة المطرب “حافظ موسى”، وقد نُسبت الأغنية في كثير من صفحات تحميل الأغاني كتراث سوداني قديم، عادة أهلنا في الكسل، و”حافظ موسى” مؤدي شعبي محلي من نواحي ريفي الباوقة .

وقصتي مع الأغنية وظلالها هي مادة ونسة اليوم ،ومن ظلالها إني جمالي لا احب ابداً الا الأشياء في كمالها النسبي، وفق منظوري الخاص للجمال والكمال ،نبهني عصر صيف ساخن ،صديقي “محمد يوسف الدينكاوي” ان فلانة وفلانة وهن نجمات عند عامة الناس، ذاهبات معنا لتقديم العزاء في وفاة والد الزميل الناقد والباحث الوسيم”مصعب الصاوي”،فابتدرته قائلاً من غير تلفت ( والله سامع بالأسماء لكن ما شايفن)، وكنت وقتها حديث عهد بالمؤسسة الإعلامية العريقة ،اكملت قولي ( كان سمحات بنمشي سوى، وبعد نبكي بكانا، عازمكم غداء،ويا أخوي كان ما سمحات بوهي وبواري ساكت على حد تعبير الطريف (اب شوك )ما “مكن” – جمع مكينة للضرورة – من هسه هاك المفتاح انا بمشي براي بعدين لمصعب)،فما كان منه الا ان ضحك ضحكته “الجهورة والجهيرة” تلك .هكذا عيبي ،لا احتمل ساعة مجاملة على حساب منظوري للأشياء تحت اي ظرف كان. نعود من الظل لأغنية ناظمنا سعيد الحظ ،هاتفني الشاب “عبدالله المرضي”يريد مشورتي فيما يفعل لحفظ حقوق ملكيته الفكرية بعد ما تغنى بها “حسين الصادق” ولم يشر له من قريب او بعيد وقتها، بل نسب الأغنية كما اسلفنا لشخص أخر ،كُتب في الأسافير”الطيب عقاد” ،فناقشته في الأمر مُغلّباً مصلحته، وبالفعل عمل الشاب بنصيحتي، وأحسبها كانت بخت عليه. ولكن حين طالعت النص مكتوب رفضت من فوري ان اذهب بالأغنية للصديق “حاتم الياس” مدير المصنفات الأدبية والفنية، وقلت للوسيط وهو شاعر مخضرم معروف عند أهل المنطقة: (لا، لا، لا يمكن أن افعل ذلك، فهي عندي دارجة أقل شأن كثير من نظم الحكامات، ولا فيها حظ من جمال وشعر)، وضحكت في نفسي وانا أتخيل منظري اقف بين يدي المثقف الرفيع “حاتم الياس” أحمل هكذا نص مُقِرّ بهكذا فعل بشاعريته وجماله ،ولكن بحمد الله تبرع طرف أخر من افراد الأسرة ،وانجز المطلوب برفقة كاتب النص، وفق القنوات الرسمية. وخيب السَّمّيع السوداني ظني ايّما خيبة، ووجدت الأغنية حظ واسع من الإنتشار والطلب.

أعود بك للظل ، أن يبهرك جمال فهو من طبائع الواعية الإنسانية، ولكن أن يتدخل في إرادتك ويسجنك فيمن عنده فهو لقهر عظيم .وأحسب أن وراثة الطبائع شيء من الممكنات جينياً و مجتمعياً بالإضافة للشكل الظاهري ، فالوالدة عليها الرضوان كانت مهزومة دوماً امام الجمالي تتبتل فيه ،لها حكايات في ذلك ،أذكر في مرة من المرات كانت تحدث خالتي بحماسٍ ضحوك قائلة:( شُفتيها يا “نور” أختي،شُفتي ديك الدِّميعات في خدها نازالت زي الجلسرين )، وردت الخالة “نور” :(اي يا”زينب” اختي ،شفتيها وكت تقول أحي يابوي كيفن بتعقدن هلالاتها –وتشير لحاجبها بسبابتها- وتمضي : أصلو الزول السمح دا كان صفقو فوق جضومه ينور)، وهكذا يكون الحكي بينهن في وصف جمال سيدة مفجوعة في والدها. ولها وخالتي “نور” أخرى ،ففي صبيحة يوم ، والنيل قد تراجع من فيضه ليترك مساحة واسعة من الطمي الخصيب يزرعها الناس ب(السلوكة ) – أداة محلية للزراعة – مضت هي وصاحبتها ليفعلن ذلك بارض لنا في حلة مجاورة من حلال قرية “فتوار” ريفي “الباوقة”، تسمى “أبوقرون” وهي أرض جناين وبساتين، وفي الطريق استقر رأيهن بزيارة بت ناس فلان ، قبيل أن يذهبن لفلاحة ارضهن، فقد خرجت فلانة هذه البارحة من اربعينية الولادة ، وناس فلان ديل (حتى حمارتهم سمحة) على حد تعبير أحد ظرفاء القرية، ولكن بمغيب الشمس،مضي زمنٍ أكثر مما يجب وقلقت “الحبوبة” عليهن حتى أخذت تخرج بين الفينة والاخرى تنظر الدرب ، ثم أستبشرت بوصلهن وقت العشاء بأن الأرض قد زرعت على وساعها ،فبادرتهن بسؤالٍ ينطوي على قدر ملحوظ من السعادة بعد تحول قلقها لإبتسامة واضحة: (باقلي زرعتنها كلها الليلة) فأجابتها الخالة:( اي يومه من السنطات الكبار الفوق القيف لحدي الكريعات تحت )!! ، فأستغربت حبوبة من ألإجابة واستعجمتها قائلة: (كريعات شنو يا بت؟) فأجابتها الخالة بخلعة من كاد أن يفضح أمره: (أقصد لحدي البحر يمه ، باقي كرعي وجعني من الوقفة وطعن السلوكة)،وكتمت ضحكة، بالطبع لم يكن الأمر كذلك ،فقد أخذهن الجمال كل مأخذ ،وجلسن في حضرة إبهت وتورد ونضارة بت ناس فلان، من الصبح حتى المغيب، فطرن وشربن القهوة والشاي، ثم الغداء، وحتى شاي المغرب ، قعدة واحدة بلا إرادة ولا واعية، ولا زراعة ولا يحزنون . فقد كن قبيل دخولهن على حبوبة يتحدثن في “كريعات” وجمال سيقان بت ناس فلان وطلحها النضديد.وفي جمال بنات الباوقة ونواحيها قيل الكثير الكثير.

عَودُ على بدء أقول :غبّ إنتشار أغنية صاحبنا ونجاحها وسط الناس، وفقاً لمعايير الطلب عليها وتخطيها حدودنا المنقطة ، هل يمكننا القدرة على صياغة تساؤلات نقدية تستطيع الإقتراب من معرفة ماهية الحوامل الفنية والثقافية التي تُمكّن للإبداع في جمهرة الناس ؟ إني اُقِرّ بعجزي في المساهمة ببعض جملة في بناء تساؤل نقدي يحرض إجابة ما .واخيراً الزييط من رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بدرالدين خاطر يكتب : الواقفون علي تخوم الحرب ..لإحتضان المنتصر

وايوب صديق .. المذيع السوداني .. المنتدب من اذاعة ام درمان .. إلي هيئة الاذاعة البربطانية …